من طرف leban cat الأربعاء أكتوبر 22, 2008 2:05 am
المشرف المحيط الهادي عندما ذكرت تشرين تذكرت الشتاء
وساكتب لكم هذه القصة كرد
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<؛>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
وتغني فيروز قائلة «رجعت الشتوية» والشتوية ترجع كل عام, وفي كل رجوع تزداد الهموم في القلب, لأن السنوات تتراكم على الصدر والقلب, وكأن العجائز في قريتنا يخافون الشتوية, لأنها تحمل معها الذين
شاخوا كثيرا, كانت أمي تخاف من الشتاء, وتسأل وهي تزيح منديلها الحريري قائلة: من .. سيموت هذا العام .. ومات خالي ذات شتاء بعيد .. وبكت أمي كثيراً .. كما بكيت أنا .. مات خالي علي, وكان الهواء الشرقي يمر كالمجنون في الزواريب, وكان الناس ينتشرون على أسطحة بيوتهم كي يعرجلوها, خوفاً من المطر الذي لا يرحم, فالأسطحة من طين, كنا نرش السطح بالتبن ونعرجل, ورغم ذلك كان المطر يجد طريقاً له من بين الشقوق, وكان أبي يوزع الأوعية في البيت فأسمع سقوط قطرات المطر في تلك الأواني, وكانت الموقدة تشيع شيئاًمن الدفء في فضاء البيت الضيق, وأسمع قرقرة «الدست» والحنطة البلدية ترقص بحباتها السمراء وأمني النفس بوجبة شهية من «زوم» القمحية, ولا يزال الهواء الشرقي في الخارج يعوي كالذئاب , أتطلع الى سراج بيتنا بضوئه الخجول, وأبي يتكوم على اللباد ظلاً لكائن حزين, كان أبي يضع كفه تحت ذقنه, كنت أظنه يتأمل ويفكر, وكنت مخطئاً لم يكن يتأمل, فقط كان حزيناً .. نعم .. كان حزيناً وانتظرت أن يصل السهارى, ولم يأت أحد, لأن الهواء الشرقي ألزم الجميع أن يظلوا حول مواقدهم, كنت حزينا, لأنني أحب أحاديث الشتاء حول المواقد, كان أبي لا يزال يجلس حزيناً قريباًمن الموقد, رغم أن «دست القمحية» صار ناضجاً, تقوم أمي وتأتي بعدة أرغفة, وكان هناك كرة من الزبدة, تصب لي أمي «طبسية» وتضع قليلاً من الزبدة فوقها, وتناولني بصلة زرقاء بلدية ورغيفاً من الخبز, وأبي لا يزال قريباً من الموقد, وأمي تدعو الله أن يوفقني, ولكن يبدو أن السماء في تلك الليلة كانت مغلقة, وأشفط ما في تلك «الطبسية» من زوم, وكان الهواء الشرقي لا يزال في الخارج يعدو كرجل محموم, وأقول «رجعت الشتوية» والشتوية تعود كل عام, أذكر أمي الآن, وأذكر أبي, وأذكر خالي الذي مات ذات شتاء, وأذكر البؤساء الفقراء الذين غادروا «سربيون» دون وداع, وأتطلع اليوم الى جسدي المتعب, وأتأمل روحي المنهكة, وأنا الآن في بداية الشتاء, وأسأل : هل سأرحل قريباً..? أنا لا أخاف الموت.. ولكنني أخاف السنوات القاصمة الظهر, أخاف المرض والضعف, وأخاف الفقر والفقر يا صديقي القارئ أن تبحث عن.. ولا تجده .. وماذا أقول ..?!?